هدية عيد الميلاد

 Where+Love+is+God+is+03.jpg

كانت الليلة ليلة عيد الميلاد. وعلى الرغم من ان الوقت كان لا زال ظهرا. بدأت المصابيح تضاء في المحلات والبيوت في تلك القرية الروسية الصغيرة. كان نهار الشتاء القصير قد اوشك على الانتهاء. هرع الأطفال الى منازلهم . فقط  تتناهى الى الاسماع بعض الاصوات الخفيفة من ضحك اوثرثرة تصدر من وراء الابواب والنوافذ المغلقة.

كان إسكافي القرية ويدعى بابا بانوف يبدأ عمله في ذلك اليوم الذي يسبق عيد الميلاد. تناهى الى سمعه أصوات اناس يثرثرون بمرح، ورأى أضواء العيد الساطعة واشتم رائحة مأكولات العيد والتي ذكرته باعياد الميلاد في السنوات الماضية، عندما كانت زوجته معه وكذلك اولاده. الآن فارقوه جميعا: زوجته توفت واولاده ذهبوا بعيدا للعمل. ووجهه الذي يبدو عليه دائما ملامح البهجة من وراء نظاراته المستديرة بدا الآن حزينا. لكنه عاد للداخل بخطوة متئدة، واغلق الباب، ووضع وعاء من القهوة على الموقد. وجلس في كرسيه الكبير وهو يتنهد بعمق.

لا يقرأ بابا بانوف كثيرا في العادة، ولكن هذه الليلة فتح الكتاب المقدس، وبدأ يقرأ وهو يتتبع ببطء سطوره بسبابته، كان الموضع الذي يقرأ فيه يروي قصة الميلاد. قرأ كيف ان مريم العذراء والقديس يوسف النجار، لقوا مشقة كبيرة في رحلتهم إلى بيت لحم، وكيف انهم لم يجدوا مكانا لهم في المنزل، ولذا فقد ولدت العذراء مريم طفلها الصغير في الحظيرة.

صاح بابا بانوف: “ياه، يا حبيبي، ياه، يا حبيبي!” ، “لو إنهم كانوا قد أتوا إلى هنا! لكنت قد أعطيتهم سريري ولكنت قد غطيت الطفل بلحافي لإدفئه “.

وقرأ ايضا عن المجوس (الحكماء) الذين جاءوا لرؤية الرب يسوع، ليقدموا له هداياهم الرائعة. ثم اطرق بابا بانوف وفكر: “لكن للأسف ليس لدي أي هدية أستطيع أن أقدمها له”.

ثم تألق وجهه. ووضع جانبا الكتاب المقدس، ونهض ومد يده على رف عال في غرفته الصغيرة. وانزل صندوق صغير يعلوه الغبار وفتحه. داخل الصندوق كان هناك حذاء جلدي صغير. ابتسم بابا بانوف بارتياح. نعم، لقد كان حذاءا جيدا بل انه أفضل حذاء صنعه. وقال بفرح: “لسوف اقدم له هذا الحذاء هدية”، ثم وضع الحذاء جانبا وجلس مرة أخرى.

شعر بابا بانوف بالتعب الآن، حاول ان يقرأ ولكن النعاس غالبه. بدأت الكلمات باهتة أمام عينيه حتى انه اغلق الكتاب، وفي خلال دقيقة فقط راح في النوم. وفي نومه رأى حلما: رأى شخصا منيرا يقول له بلطف”: “لقد كنت تتمني أن ترانى. انتظرني غدا. لأنه سيكون يوم عيد الميلاد وسوف ازورك. ولكن انتبه لأنني لن اخبرك من أنا عندما اتيك”.

عندما استيقظ بابا بانوف اخيرا، كانت أجراس الكنيسة تدق وكانت ثمة انوار رقيقة تسطع من خلال نافذة منزله. فقال بخشوع:”يا للبركة العظيمة! ان اليوم هو عيد الميلاد!”

وقف وفرد جسمه لأنه كان قد تصلب الى حد ما. ثم تذكر حلمه ووجهه يطفح بالسعادة. وقال بفرحة عارمة: “هذا العيد سيكون عيدا مميزا جدا، فيسوع آت لزيارتي. يا ترى كيف ستبدو هيئته؟ هل سيكون الطفل الصغير الذي نراه في ايقونة الميلاد التي تصور أول عيد للميلاد؟ ام انه سيكون رجل كبير،ام في هيئة نجار أم في صورة ملك عظيم اذ انه هو ابن الله؟ يجب أن ارقب بعناية طوال اليوم لكى اتعرف عليه حين يأتي.

وضع بابا بانوف قدر من القهوة على النار ، فتح نافذة متجره ونظر من خلالها. كانت الشوارع لا تزال خالية من المارة، لا أحد حتى الآن. لا أحد باستثناء الكنّاس (عامل النظافة). كان الكناس يبدو في حالة بائسة وملابسه متسخة مثلما اعتاد ان يراه دائما! فكر بابا بانوف: “يا ترى من الناس يريد أن يعمل في يوم العيد علاوة علي هذا البرد القارص والصقيع الذي يملأ هذا الصباح؟

فتحت بابا بانوف باب المحل، فسرى تيار من الهواء البارد للداخل في الحال. صاح عبر الشارع بفرح: “استيفاني، تعال!”، “تعال، وتناول بعض القهوة الساخنة لتستدفئ في هذا البرد القارص!”

ترك ستيفان مكنسته مستندة على الجدار في الناحية الأخرى من الشارع وجاء وهو لا زال يسعل ويرتجف وينفخ الهواء الساخن براحتيه ليدفئهما. تساءل الرجل مستغرباً وهو يدنو:

– ماذا يا سيدي؟

– لا شيء فقط تفضل وأدخل …!

حين دخل الرجل ، فاجأه دفء المكان فاسترخى وخف سعاله وأشرق وجهه .

– أجلس …هنا عند الموقد ودفئ ساقيك …!

– ولكن …

– لا عليك ، العمل لن يتوقف على هذه الدقائق .. تفضل القهوة!

وبينما كان استيفاني يحتسي بحماس قهوته الساخنة ، كان بابا بانوف يرفع رأسه كل برهة لينظر المارة. وحين سأله عما اذا كان ينتظر احدا اخبره بابا بانوف عن حلمه.

قال  الكنّاس بوقار واضح: “حسنا، ارجو أن يتحقق حلمك” ، وابتسم وهو يتابع كلامه: “لقد ادخلت الى قلبي الفرح في هذا اليوم المارك. وأود أن أقول أنك تستحق أن يتحقق حلمك. “.

عندما انصرف الكنّاس، وضع بابا بانوف الحساء ليتناول العشاء ، ثم توجه إلى الباب مرة أخرى، ومرر بصره على الطريق. انه لا يرى احد. لكنه كان مخطئا. فشخص ما كان قادما.

كانت الفتاة تمشى ببطء وهدوء، بجوار المحلات التجارية والمنازللاحظ بابا بانوف إنها متعبة للغاية وأنها كانت تحمل شيئا. وحينما اقتربت رآها تحمل طفلا رضيعا ملفوفا في شال. كان وجهها يبدو حزينا كما بدت علامات الضعف على الطفل مما جعل قلب بابا بانوف يرق لهم. خطى بابا بانوف الى الخارج ودعاها:

“تفضلي بالدخول. انك بحاجة إلى الدفء والراحة، انت وطفلك.”

ما ان جلست الأم الشابة  في الداخل.  حتى سألها بابا بانوف: “سوف اعد بعض الحليب الدافئ للطفل”، لقد كان لديّ أبناء انا ايضا .. هل تسمحي لي ان إطعمه لك.” وأخذ الحليب من على الموقد وقدم اللبن بعناية للطفل، بينما كانت المرأة تستدفئ عند المدفأة. ثم قال :”ان طفلك في حاجة الى زوج من الأحذية”.

ولكن الفتاة اجابت، “للاسف، لا أستطيع ان اشتري له حذاء، فزوجي متوفي وأنا في طريقي إلى القرية المجاورة للبحث عن عمل “.

تذكر بابا بانوف الحذاء الذي خطر له في الليلة الماضية ان يقدمه ليسوع. فقال للمرأة وهو يتطلع مرة أخرى لقدمي الطفل الصغيرتين: “خذي هذا الحذاء للطفل” وناول الأم الحذاء. كانت الأحذية صغيرة وجميلة. ابتسمت الفتاة بسعادة وبدا الطفل مسروروا حينما البسته والدته الحذاء.

قالت الفتاة : “انه لطف كبير منك يا سيدي” ، عندما نهضت مع طفلها للذهاب. “اتمنى ان تتحقق كل امنياتك في عيد الميلاد!”

ولكن بابا بانوف بدأ يتساءل عما إذا كانت امنيته ستتحقق في عيد الميلاد. ربما لم يلحظ ضيفه حين مرّ بمحله؟ ثم تطلع بصبر اوشك على النفاذ الى الشارع. كان هناك الكثير من الناس يعبرون الطريق ولكنهم كانوا جميعا ذو وجوه مألوفة لديه. كان هناك الكثير يمرون في عودتهم الى بيوتهم. وكانوا جميعا يومئون برؤوسهم ويبتسمون وهم يتمنون له عيد ميلاد سعيد! وبين الحين والاخر كان بابا بانوف يسرع الي الداخل ويجلب كوب ماء اوقطعة كعك ويعطيها لاحدهم، ثم يسرع من جديد لئلا اذا غاب يفقد رؤية ضيفه المنتظر.

سحبت الشمس اشعتها الذهبية بينما كان بابا بانوف يروح ويجئ على الباب على الدوام واخيرا كلّت عيناه، حتى اصبح غير قادر على تبين وجوه المارة. معظمهم قد اووا الى بيوتهم على أي حال. كان يسير ببطء مرة أخرى إلى غرفته في الماضي، اغلق محله وجلس في كرسيه المتحرك  وبه الكثير من الضجر.

كان مجرد حلم على اية حال. من الواضح ان يسوع لن يأتي.

ثم فجأةظهر شخص منير في الغرفة.

لم يكن ما رآه حلما لأنه كان مستيقظا. في البداية عبرت أمام عينيه صور الاشخاص الذين جاءوا إليه في ذلك اليوم. عبرت امام عينيه صورة الكنّاس، ثم مر به طيف الأم الشابة وطفلها والمتسولين الذين اطعمهم. كان الجميع يهمسون في انيه: “ألم تراني، بابا بانوف؟”

قال بابا بانوف متحيرا: “من أنت؟”

ثم اتاه صوت آخر. كان هو الصوت الذي سمعه في الحلم – انه صوت يسوع يقول له:

“كنت جائعا وأنت أطعمتني”،. “كنت عريانا فكسوتني”، “كنت غريبا  وقد استضفتني”. لقد جئت إليك اليوم في كل هؤلاء الذين مددت لهم يد المساعدة ورحبت بهم “.

ثم ساد المكان هدوء عظيم. لم يبق سوى صوت دقات ساعة الحائط الكبيرة. بدا سلام وسعادة كبيرة تملأ الغرفة، وتشمل قلب بابا بانوف حتى أنه أراد أن يغني ويضحك ويرقص فرحا.

أضف تعليق