الضمير

مقدمة: لن تجد كلمة اكثر استخداما في السنة البشر اكثر من الضمير. الكل يتحدث عنه ولا احد يقدر ان ينكر عمله في تهذيب واصلاح الجانب الخلقي في حياة كل انسان حتى وان لم يتحدث عنه، حتى وان لم يدر بذلك صراحة. لقد وجدنا حتى من اطلق عليهم برابرة قديما يقولون ما ينم عن وعيهم بوجوده. فعندما نشبت الافعى في يد بولس الرسول بعد ان تحطمت به السفينة على جزيرة مالطة يقول “لابد ان هذا الانسان القاتل لم يدعه العدل يحيا”. فهم بشهادة الطبيعة والتاريخ يعون تماما بعدالة السماء وبما تقيمه من محكمة داخل كل انسان متمثلة في ابرز قضاتها الضنير . فللضمير شهادة، وهي شهادة مصدقة من البشر، يحتكمون اليها. قال الرسول عن الامم في زمانه “الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، (رومية ٢: ١٥). فبالرغم من وثنيتهم وعدم معرفتهم لله، الا انه توجد شريعة داخل قلوبهم ، ليست الشريعة في حد ذاتها مثلما الحال مع المؤمنين الذين نالوا وعد الله اجعل نواميسي في داخلهم واكتبها على قلوبهم”. ولكنها “عمل الناموس‘‘، هو إقناع الإنسان بالخطية وإدانته عليها. هذا العمل مكتوب في داخل كيان البشر الأدبي يجعلهم يميزون بين الخير والشر، فضميرهم وأفكارهم تشتكي ضدهم عندما يخطئون أو تحتج في صالحهم عندما يفعلون حسنا.
مثّل الرسول الضمير والأفكار بأعضاء مجلس في نفس الإنسان اجتمعت للمشاورة في ما يجب أن تعمله فبعضها حثّ على الحلال وبعضها على الحرام فبعضها دان النفس على ما فعلت وبعضها صوّبها. انها الصراع الداخلي او الحرب الباطنية بين القوى العليا والقوى الدنيا والسرور الذي يناله الإنسان بإطاعة ضميره والحزن الشديد والندامة على مخالفة الضمير. ‏ولكن يا للأسف، دائما ما ينتهك الإنسان ضميره (وحي الله الداخلي للإنسان) تماماً كما انتهك وحي الله المكتوب.
يمكن للإنسان أن يُفسد هذا العمل، لذا فالضمير يختلف من شخص لآخر. وكما نعرف أيضاً إن ضميرنا قد يتلَف بسبب الخطية والتمرد، ولكن يمكن استعادته في يسوع.
كثيرا ما نسمع هذا السؤال، ماذا عن الذين لا يعرفون الله، أولئك الذين لم يسمعوا مطلقاً كلمة الله بطريقة مباشرة لا يزال لديهم بوصلة أخلاقية هي الضمير.
لاحظ معي أيها القارئ، ان الضمير هو اول حجة لجأ اليها بولس في دفاعه عن نفسه في محاكمة دينية  “فَتَفَرَّسَ بُولُسُ فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ:«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ للهِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ». (أعمال الرسل ٢٣: ١) لقد ترك اليهودية إلى المسيحية ومع ذلك يدعي انه فعل ذلك بوحي الضمير، وأنه طالما كان له ضميرًا صالحًا!
لكن علينا ان نلاحظ امرا من جهة شهادة التبرير، فطالما قرأنا بولس يعترف ان الانسان خاطئ غير مبرر على الاطلاق، فكيف يتحدث عن (ضمير صالح)، هل عنى بذلك الصلاح و “ليس احد صالحا الا الله”؟. لقد استخدم بولس شهادة الضمير لأنه كان يقف أمام المحكمة العليا في إسرائيل إلا أنه كان يعلم أن ليس فيه أي شيء صالح واعتمد على تبريره في المحكمة السماوية. فالضمير النقي ليس له  أساس ثابت عندما يقع تحت مجهر الله. تصريح بولس في كورنثوس الأولى ٤:٤ له صلة وثيقة بالموضوع: فَضَمِيرِي مُرتاحٌ، وَلَكِنْ لَيسَ هَذا هُوَ ما يُبَرِّرَنِي، بَلِ الرَّبُّ هُوَ الَّذِي يَحكُمُ عَلَيَّ.
تدريب الضمير:
” أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. (أعمال الرسل ٢٤: ١٦). الضمير اذا كأي عضو في الجسد يقوى بالمران ويضعف بالاهمال. لذلك لا عجب ان بعض الناس ضميرها نائم واخرين ضميرهم مات. وبولس الرسول في المقطع السابق يقول انه بلا عثرة. العثرة تكون من نحو الله نسميها اليوم (عقدة الذنب) يشعر الانسان انه منفصل بخطيته عن الله، ولا ظالة له عنده، فيهرب من الله كما فعل ادم الجد الاول وكما فعل قايين ويونان..
لكن العثرة من نحو البشر ايضا هامة. اجتهد بولس في أن لا يعثر اليهود لأنه يقول «صرت لليهود كيهودي» (1كورنثوس 9: 20) وقال ذلك دفعاً لتوهمهم انه يبغضهم او يغيظهم.
وهذا يجعلنا نأتي الى السؤال، الى من نحتكم في موضوع عثرة الاخرين، هل ضميري ام ضمائر الاخرين؟ فبناءا على قول بولس السابق، هو مهموم بنظرة الاخرين له، ومن اجل الكرازة فعل ما كان لا يتوقعه احد، فقد ختن تيموثاوس وهو الذي علم بان الختان قد بطل.
هنا نسمع اجابة الرسول نفسه “أَقُولُ «الضَّمِيرُ»، لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ، بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ. لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟ (١ كورنثوس ١٠: ٢٩). وواضح من الاجابة انه ضمير الاخر، ليس من اللياقة ان تقول طالما ضميري مرتاح فلا يهم ان كانت ضمائر الاخرين معثرة! قد يقول المؤمن في نفسه هذا القول: لماذا أجعل الآخر يحكم في حريتي؟ الجواب لأن الامتناع لا يعطيه فرصة أن يحكم عليّ. لماذا أُعرِّض حريتي لإدانة ضميره؟  لماذا أسمح أن يُفترى على صلاحي؟  (انظر رومية 14: 16)“.
كما رأينا حرص بولس الرسول على ان يحتفظ بضمير صالح بلا عثرة من نحو الناس. لكن هل هذا يتم عمليا؟ بالطبع لا، فمهما فعل الانسان لن يحظى بشهادة حسنة من جميع الناس وكما اورد يسوع المثل “زمرنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تلطموا”. وقال ايضا “ويل لكم ان قال فيكم جميع الناس حسنا”. وكما قال الرسول “ان كنت ارضي الناس فلست عبدا للمسبح”. لقد فعل ما جعله هدفا لمقاومة وشكاية كثيرين، وكان هذا بصدد قضية الختان.
لكن الرسول يعود ويعول كثيرا على شهادة الضمير اذ يقول “لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا. (٢ كورنثوس ١: ١٢). بولس الذي قال “ليس لي فخر ..” نجده قانعا وراضيا بحكم ضميره.
واذا كنا قد حاولنا من خلال اقوال الناس عن الضمير ثم استعرضنا بعض ما تعلمه كلمة الله ، نعود فنقول ان كلمة الضمير لهي اكثر كلمة معروفة بين شعوب العالم. كتب الفلاسفة اليونان كثيرا عنه وسموه الانسان الباطن والقوى العليا .. وكتب الادباء كثيرا عنه ويتحفنا دوستويفسكي بقصة مؤثرة عن قاتل معذب من ضميره في روايته (الاخوة كروماوف) فيقول:
اوضح لي زائري الغامض منذ اصبح صديقي، كيف انه لم يعاني في اول الامر من تبكيت الضمير. لقد شعر بالتعاسة امدا طويلا، ولكن ليس بسبب عذاب الضمير، بل لأنه قتل المرأة التي احبها.. وقد ابدى نشاطا كبيرا في امور البر، فاسس ودعم مؤسسات الاحسان في المدينة، وانتخب عضوا في الجمعيات الخيرية. ولكن كثيرا ما راوده ذكرى جريمته.
واخيرا ارتد بخياله واعجب بفتاة وتزوج منها  على امل ان يبدد هذا الزواج كآبته ووحشته. كوعندما اخبرته زوجته انها ستضع طفلا اضطرب وقال في نفسه: انني وهبت حياة، ولكنني سلبت حياة. وولد له اطفال فكثرت تساؤلاته: كيف تواتيني الجرأة على ان احبهم واعلمهم واثقفهم، وكيف انشئهم على الفضيلة؟ لقد سفكت دما”. وكان اولاده على قدر كبير من الجمال فاذا تاق الى مداعبتهم، وجد نفسه يقول: انني لا استطيع النظر الى وجوههم البريئة التي تتجلى فيها الصراحة. انني لست اهلا لذلك.
واخيرا اخترق شبح ضحيته حجاب ضميره، .. لقراءة باقي القصة اقرأ قصة الزائر الغامض

موضوع ذو صلة
اقوال مأثورة عن الضمير

http://egboshra.blogspot.com/2011/12/blog-post_8723.html?m=1

عذاب الضمير
http://egboshra.blogspot.com/2014/11/blog-post_18.html?m=1

الضمير والناموس
http://egboshra.blogspot.com/2012/11/blog-post_3.html?m=1

قصة عن عذاب الضمير : الزائر الغامض

أضف تعليق