ابرع جمالا من البشر

عندما قال المرنم “ابرع جمالا من البشر” في انشودة العرس عن الملك هل كانت عيناه اجتليتا بجماله؟ خرجت العروس في شوق عظيم تبحث عن عريسها، واذ لم تجده سألت الاخرين عنه، في لهفة قالت “احلفكن يا بنات اورشليم اذا وجدتن حبيبي ان تخبرنه اني مريضة حبا”. عندها تسأل العذارى العروس في دهشة “ما حبيبك ايتها الجميلة حتى تحلفينا هكذا؟”. ففي الحال تبدأ العروس في التغني باوصاف عريسها.
ولما كان العريس يحصي (في ص4) صفات عروسه الجميلة في عينيه أحصى لها ٧ نواح لذلك الجمال، وها هي تصوره _ له المجد _ فتذكر ١٠ خصال لحبيبها مبتدئة من الرأس، فهي تقول:
١- راسه ذهب ابريز: نحن لا نعلم مقاصد الله السامية. افكار المسيح هي المقياس الصحيح لكل شيء، ونشكر الله لان أفكاره لا يعتريها أي نقص.
٢- قصصه مسترسلة حالكة كالغراب:
فقصصه المسترسلة والحالكة (أي السوداء) ترينا فيه نشاط الشباب وقوته باستمرار، فهو ليس كأفرايم الذي “قد رش عليه الشيب وهو لا يعرف”(هو7: 9) أما رب أفرايم وسيده فلا تتطاول عليه علامات الانحلال. قصصه المسترسلة إشارة إلى ربنا يسوع المسيح هو النذير الحقيقي الذي لم يدنس عهد انتذاره (أي تكريسه) لله لحظة واحدة (عدد6: 5).
٣- عيناه كالحمام:
في صمتها تتكلم بلغة أكثر وضوحا من كلام الشفتين، عندما نظر الرب إلى الجالسين حوله (مر3: 34) كم كانت تحمل تلك النظرة من معان!
في سفر الرؤيا (ص5) يتحدث الرائي عن الخروف الذي له “سبع أعين” وواضح ان الرقم سبعة يشير إلى الملء والكمال “لان عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة
نحوه”(2أخ16:6). ولقد رأت العروس عيني حبيبها في صورة عن اللطف والوداعة “كالحمام على مجاري المياه” كما رأت فيهما أجمل صورة للطهارة والنقاوة “مغسولتان باللبن”.
٤- خداه كخميلة الطيب: لقد اصطبغ خداه بالاحمر كما تصبغ الحناء البشرة التي تلامسها. الأعداد التي تشير إلى ضرب سيدنا وربنا يسوع على خده ترينا ان خدي العريس يرسمان أمامنا صورة رمزية لاتضاعه بالنعمة!

٥- شفتاه سوسن:
انها تقطران مرا مائعا الذي عو من اغلى العطور. كلمات الرب تعلق دنيا البشر بالحنان وتعاليم الحب.

٦- “يداه مرصعتان بالزبرجد”. يدا المسيح التي تمسك بزمام الامور مرصعتان بحجر كريم، ذلك لان اعماله مجيدة. يدا المسيح التي بنت كنيسته على الصخر. يدا المسيح التي تحمل خرافه وتحميها من الذئاب “خرافي في يدي..”.

٧-“بطنه كالعاج”. البطن هي الأحشاء، مركز المشاعر. قالت العروس قبلا “أنّت عليه أحشائي” فقد كانت أحشاؤها تئن حنينا إلى عريسها، أما الآن فقد سما تفكير العروس فهي ليست مشغولة بأحشائها هي بل بأحشائه هو.
أظهر الله عطفه بكيفية عجيبة في العهد القديم من نحو شعبه الأثيم “هل أفرايم ابن عزيز لدي أو ولد مسر؟ لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكرا من أجل ذلك حنّت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب”(أر31: 20) ولكن في المسيح وحده اظهر محبته وشفقته واضحة.
اختبر الرسول بولس شيئا من حاسيات قلب المسيح وعواطفه حتى استطاع ان يقول للفليبيين “أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح”(في1: 8).
لقد ندمت العروس لعدم اكتراثها بعريسها عندما قرع بابها، ففتحت الباب ولكن “نفسها خرجت”(ع 6) أي أغمي عليها لانها وجدت انه ادبر. نعم، فتحت الباب، لكن بعد فوات الاوان. ولما خرجت لتطلبه وجدها الحراس (ع 7) وضربوها وحفظة الأسوار رفعوا إزارها ولعلهم ظنوا أنها زانية طائفة في المدينة.
ان الانات التي نئن بها في انفسنا وتئن بها الخليقة كلها لهي تختلف عن انات الروح الذي يشفع فينا، يشفع من خلالنا عن الخليقة. انها وان كانت انات الا انها صلاة من نوع عظيم، هي شفاعة، انها انات تحولت الى صلاة. عمل الروح يصاحبه دائما الهدوء، وهو عميق، انات عميقة بحيث لا ينطق بها.
ليس الروح يشفع فينا فحسب، بل ان المسيح هو ايضا “واذ هو عن يمين الاب يشفع فينا”. نحن نتحد بالمسيح في صلاته. وصلاتنا لن تكون مقبولة الا من خلال صلاته وشفاعته فينا.
انها انات المؤمنين، لا انات الروح. كثيرا ما يعجز المؤمنين عن التعبير عن اشواقهم بالكلمات، فتصدر من خلال زفرات اعمق من كل الكلمات. تعجز اللغة عن التعبير عن مكنونات القلب، كما ان الفرح “لا ينطق به ومجيد”(١بط١: ٨)، ذلك لان عطايا الله لا يعبر عنها “شكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها”(٢كو٩: ١٥).

٨-ساقاه عمودا رخام:
وفي هذا إشارة جلية إلى ثبات واستقرار كل شيء مرتبط بالمسيح، فقد جعل الله كل شيء مرتبطا به متصفا بالثبات.
“رخام” تشير إلى اللون الأبيض والنقي، وأنه لمن الملذ ان نلاحظ ان اللون الأبيض يلازم الأوصاف التي تصف بها العروس حبيبها “حبيبي ابيض”. عيناه “مغسولتان باللبن” وكذلك “السوسن” فأنه ناصع البياض، ثم “العاج الأبيض” و “عمودا الرخام” وهذه كلها توحي بان اللون الأبيض الناصع من مميزات الحبيب. ففوق جبل النجلي “كان لابسه مبيضا اكثر من الثلج”.

أضف تعليق